تنظر نيابة الصحافة والمطبوعات – منذ استحداثها في منتصف التسعينات -العديد من القضايا المتعلقة بالنشر الصحفي. قبل إنشاء محكمة متخصصة في قضايا الصحافة كانت تتعامل نيابة الصحافة مع الاختصاص النوعي للمحاكم بحسب المكان الذي يقع في دائرة اختصاصه مقر الصحيفة. تم خرق هذه القاعدة القانونية الإجرائية في قضية واحدة هي القضية المرفوعة ضد صحيفة الشارع، حيث تولت النيابة الجزائية المتخصصة بقضايا امن الدولة في يوليو 2007م التحقيق وتوجيه الاتهام إلى ثلاثة صحفيين هم نائف محمد علي حسان بصفته رئيس تحرير صحيفة الشارع، ونبيل محسن محمد سبيع ومحمود طه باعتبارهما كاتبين في الصحيفة. اتهمت نيابة أمن الدولة الصحفيين الثلاثة بنشر اختبار وموضوعات متعلقة بالحرب الدائرة بين الدولة اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة. ماتزال القضية منظورة أمام محكمة الصحافة والمطبوعات بعد أن تم إحالتها إليها عند استحداث محكمة مختصة بالصحافة والمطبوعات.
في 11مايو 2009 اصدر مجلس القضاء الأعلى قرار بإنشاء محكمة متخصصة للنظر في قضايا الصحافة والمطبوعات؛ و تتولى المحكمة -بحسب قرار إنشاءها – النظر في جرائم العلانية والنشر وكافة الدعاوي المتعلقة بقضايا الصحافة والمطبوعات المنصوص عليها في قانون الصحافة والمطبوعات والقوانين ذات الصلة وبحيث يشمل اختصاصها المكاني والقضايا المشار إليها التي تقع في جميع محافظات الجمهورية. واعتبرت بعض المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان أن إنشاء المحكمة يتعارض مع الدستور اليمني الذي يحظر إنشاء محاكم استثنائية وتفتقر لمبدأ القاضي الطبيعي المختص بنظر الدعوى باعتبار أن اختصاص المحكمة ممتد في أراضي الجمهورية كاملة وليس وفق القواعد القانونية المعمول بها في قانون الإجراءات الجزائية.
وزير العدل اليمني دافع عن قرار إنشاء محكمة للصحافة والمطبوعات في أمانة العاصمة، مشيراً إلى أن القرار جاء في إطار أجندة الإصلاحات القضائية التي تتبناها وزارة العدل في سبيل إيجاد قضاء نوعي متخصص، من شأنه سرعة الفصل في القضايا في زمن معقول وبكفاءة عالية وتلبية لمتطلبات الواقع وتزايد عدد القضايا الخاصة بالمطبوعات. بدورها أكدت نقابة الصحفيين اليمنيين خلال لقاء مع وزير العدل على أن محكمة الصحافة استثنائية غير دستورية باعتبار أنه ليس لها اختصاص مكاني بل تشمل الجمهورية بكاملها وهو ما يتناقض مع القانون ومقتضيات العدالة، وقد وعد وزير العدل بإنشاء فروع للمحكمة في المحافظات حتى لا يضطر الصحفيين المطلوبين للتحقيق والمحاكمة من المحافظات الأخرى للسفر إلى العاصمة. ولكن ذلك لم يحدث حتى نهاية العام 2009م.
نشاط محكمة الصحافة:
منذ بدء نشاط المحكمة المتخصصة في قضايا الصحافة والمطبوعات بلغت القضايا المنظورة أمامها أكثر من مائة وأربعين قضية، ومن الواضح انه لا يوجد جدل كبير حول كمية كبيرة من هذه القضايا نظرا لعدم تعلقها بحرية الرأي والتعبير، والحق في نشر الأخبار والمعلومات وفق للحق المكفول في الدستور اليمني والمواثيق والدولية والقوانين النافذة.
الجدل الرئيس في القضايا التي تنظرها المحكمة تتركز حول القضايا التي تتعلق بانتقاد أداء أشخاص أو مؤسسات رسمية بسبب نشاطها في العمل العام. كما أن هناك قضايا تتعلق بنشر معلومات يتحصل عليها الصحفيين والصحف دون إمكانية تقديم مستندات تؤكدها بسبب غياب نصوص قانونية ملزمة للكشف عن المعلومات من الجهات التي تحوزها.
أسباب الجدل من الناحية الفنية:
1- محاكمة وإدانة صحفيين بسبب انتقادهم أشخاص أو مؤسسات رسمية وبسبب النشاط العام يمثل أكثر القضايا إثارة للجدل. ومن أسباب ذلك أن قانون الصحافة والمطبوعات وقانون العقوبات مثله مثل القوانين التي يستند إليها القضاء الجنائي تعطي مساحة واسعة للقاضي الذي ينظر القضية في تقدير معنى العبارات والألفاظ، والرقابة القضائية على القاضي –من المحاكم الأعلى درجة- في هذه الحالة تكون محدودة.
2- طبيعة نصوص قانون الصحافة والمطبوعات وقانون العقوبات فيما يتعلق بالحق في التعبير عن الرأي والنقد لأعمال الموظفين والعاملين في العمل العام، والحق في الحصول على المعلومات. توصف مواد هذه القوانين بأنها تتضمن عبارات غير منضبطة أو واضحة وتحتمل تفسيرات وتأويلات كثيرة. وأنها مطاطة ويمكن تفسيرها بصورة تعسفية.
3- قسوة العقاب في بعض أحكام نصوص قانون العقوبات المتعلقة بحرية المعلومات حيث تقرر بعض النصوص الإعدام كعقوبة وهذا افراط في العقوبة على فعل يعتبره القانون جريمة، وهذه العقوبة لم يوردها القانون اليمني في بعض أنواع قضايا الاغتصاب.
4- عدم انضباط الفعل المجرم على معنى محدد، من خلال استخدام عبارات ” أخبار أو بيانات أو إشاعات، كاذبة أو مغرضة” فبعض النصوص لم تحدد الفعل المعاقب عليه، ولكنها أوردت صفات وألفاظ تقديرية ليست محل اتفاق بالضرورة من شخص إلى أخر مثل كلمة (كاذبة)، (مغرضة)، (عمد إلى دعاية مثيرة). هذه العبارات مبهمة، وغير واضحة التعريف. مثلاً: ما هو المقصود بالدعاية؟.. الإثارة؟ وكيف يمكن قياس الإثارة ونوعها؟. إلى آخر ما يمكن اعتباره قصور في التشريع القانوني للصحافة والمطبوعات.
5- لم تشترط نصوص عقابية في قانون العقوبات عند تقرير العقوبة واستحقاقها ترتب نتيجة منضبطة واضحة المعنى والمقصد، بل يكفي أن يكون “من شأن” ليس من المهم في النص أن( يحدث )أو (يحصل) نتيجة لكن إمكانية هذا الحصول تكفي لتقرير العقوبة.
4- القانون يعطى قاضي الموضوع صلاحية واسعة تصل في بعض النصوص إلى الحكم بالإعدام على الصحفي أو غير الصحفي، لمجرد أنه نشر خبر لم يتحقق من صحته، لمجرد القول بأن كان من ( شأن ) نشر هذا الخبر أن يلحق أو أن يثير فزعاً لدى الناس.
شهدت المحاكم اليمني محاكمات استناداً لهذه النصوص لعدد من الصحفيين، وتم إدانتهم بموجب ذلك. لكن العقوبات لم تصل إلى الإعدام وتم الاكتفاء بالحبس أو الغرامة.
نموذج للقضايا أمام محكمة الصحافة ونيابة الصحافة
قضية صحيفة المصدر:
قدمت نيابة الصحافة والمطبوعات رئيس تحرير الصحيفة والكاتب الصحفي منير الماوري للمحاكمة بتهمة ” اهانة وسب رئيس الجمهورية” ومن خلال دراسة الحكم يمكن تقدير أن هناك أخطاء وقعت فيها المحكمة كما أن هناك أخطاء وقع فيها المقال محل الاتهام والحكم.
الخطأ في المقال:
تضمن المقال عبارات يمكن اعتبارها قاسية وتتجاوز حدود النقد الهادف إلى تسليط الضوء على أداء موظف عام بغض النظر عن وظيفته سواء كان رئيس جمهورية أو موظف آخر، والأمر يكون أكثر مدعاة للاهتمام عندما يكون الشخص الذي تعرض للنقد بتلك الصورة رئيس جمهورية يعتمد في جزء من أداءه السياسي على المكانة الاجتماعية التي تعطيه مكانه معتبره واحترام أكبر من غيره باعتباره يمثل الدولة بحسب المادة (119) من الدستور. من الواضح أن عبارات المقال كانت متجاوزة لحدود النقد مثل ( سياساته الفوضوية – السياسات الرعناء – سلاح دمار شامل- صانع المشكلات والمتسبب فيها – راعي الفيد والسلب والنهب وصانعه الأول – فسادهم من كبيرهم الذي علمهم السحر –الرعونة والفساد والاستبداد ويجب درء خطره ).
وجاء الحكم في هذا الجانب ليوضح طبيعة التجاوز الذي وقع فيه المقال، وفي حيثيات الحكم ورد التالي: ( فالثابت أن ماورد في ذلك المقال من عبارات وألفاظ جاءت في مضمونها ودلالتها على توجيه عبارات وألفاظ تسيء لشخص رئيس الدولة ومكانته في المجتمع وان تلك الألفاظ والعبارات تضمنت الإساءة الصريحة والواضحة لرئيس الدولة والحط من قدره والانتقاص من مكانته التي يتمتع بها في المجتمع، وان ذلك الفعل وعلى تلك الكيفية وقع على المجني عليه / رئيس الدولة المتمتع بتلك الصفة حال صدور ذلك الفعل.وتلك العبارات بما تحتويه من الاهانة وبما يمس شخصية المجني عليه ويحط من قدره في المجتمع، وان ذلك كاف في تقدير وعقيدة المحكمة للتقرير بقيام القصد الجنائي…)
الخطأ في الحكم:
نظراً لطبيعة الظروف السياسية المحيطة بالمقال وبالشخص الذي تناوله المقال بالنقد فإن الحكم قد اعتراه أخطاء يصعب إغفالها، ومع التذكير بأن من مبادئ القانون الجنائي أن للقاضي أن يبني عقيدته وقناعاته من خلال مجريات الدعوى المنظورة أمامه وما يقدمه الأطراف من إثباتات، غير أن هذا الحق للقاضي يكون مقيد بعدد من الإجراءات والقواعد القانونية التي تلزمه بان يساوي بين الخصوم أثناء مرحلة الترافع وان لا يبدي قناعاته في القضية بصورة علنية من خلال التصريح أو التلميح، وقد اظهر الحكم ذلك من خلال الحكم المسبق قبل الفصل في القضية حيث جاء في الجلسات الأولى للمحكمة وقبل استكمال جميع الإجراءات أمامها وتقديم جميع الأطراف للدعاوى والإجابات والردود والمرافعات، فقد استجابة المحكمة لطلب الطرف المدعي بمنع الكاتب منير الماوري من الكتابة وأصدرت قرار يقضي بأنه ” وضمانة لحسن سير العدالة واستنادا لمقتضى نص المادة (103) من قانون الصحافة والمطبوعات الفقرة السابعة والثانية عشرة تقرر المحكمة الآتي: أولاً: منع النشر في القضية قيد المحاكمة رقم (85) السنة 1430هـ…ثانياً: الامتناع عن طباعة ونشر وتداول أي مقال للمتهم الثاني/ منير الماوري وعلى جميع الصحف ودور النشر الالتزام بذلك”.
ورغم انه لا يوجد في نص المادة (103) بفقراتها المذكورة في الحكم ما يعطي المحكمة الحق في إصدار قرار يعتبر فصل مسبق في القضية وإبداء لقناعة المحكمة فإن المحكمة قد أخطأت في ذلك القرار وجعل أداءها محل نظر وانتقاد أثر على الحكم النهائي.
بجانب أن المنع الذي تضمنه قرار المحكمة في جلساته الأولى عقيدة مسبقة كما سبق فإن القرار جاء بصورة تتجاوز أطراف القضية إلى كل الصحف ودور النشر وهي ليست طرف في القضية. بالإضافة إلى أن القرار بالمنع ليس في الموضوع محل الدعوى فقط ولكن في أي موضوع آخر يمكن أن يكتبه الكاتب منير الماوري وهو ما يتضمن حرمانه من حقه المكفول له في الدستور والقانون اليمني للتعبير عن رأيه، ويتعارض ذلك مع كون الحق في التعبير عن الرأي حق مكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
الخطأ الثاني الذي وقع فيه الحكم يتضمن تجاوز قاعدة أن القاضي مقيد في قضاءه في حدود ما يطلبه الخصوم، وقد قضى الحكم بما لم يطلبه الخصم وهي النيابة العامة من خلال الحكم بالمنع من الكتابة بصفة دائمة. جاء في الفقرة (6) من منطوق الحكم ” حرمان المحكوم عليه الثاني / منير الماوري من استمرار مزاولة مهنة الصحافة بصفة دائمة.”
قضية موقع الشورى نت (عبدالكريم الخيواني) الحكم رقم (26) لسنة 1430هـ
قدمت النيابة العامة الصحفي عبدالكريم الخيواني بتهمة السب العلني لشخصية عامة معروفة، وذلك لقيامه كرئيس تحرير لموقع (الشورى نت) بنشر موضوع تحت عنوان ” مسئولون نافذون في طليعة المتخلفين عن سداد مديونيتهم للبنك الوطني” وقد جاء نشر الكشف الصادر عن لجنة التصفية للبنك الوطني في العديد من الصحف والمواقع الصحفية. وتقدم الخيواني بطلب للمحكمة لمخاطبة لجنة التصفية لمعرفة ما إذا كان الشخص المقصود بالكشف هو نفسه الشخصية العامة التي تقدمت بالشكوى ضده أم انه شخص آخر، وجاء رد لجنة التصفية بأن الشخص الوارد اسمه في الكشف هو نفسه من قدم الشكوى.لكن المحكمة رغم أنها تأكدت من أن الشخص المقصود بالموضوع هو نفسه مقدم الشكوى وبذلك يكون الخيواني قد نشر معلومات صحيحة ومن مصادرها الموثوقة، غير أن الحكم جاء مخالفاً لما هو ثابت، وبرغم أن الموضوع المنشور لم يتضمن أي ألفاظ تتضمن سب أو تشهير، فإن المحكمة قررت ( أن القول بصحة الخبر محل قرار الاتهام وأثره في إباحة النشر المتضمن المساس بالحياة الخاصة مسألة قانونية موضوعية استقر الفقه الجنائي بشأنها على أن لا صلة بين صحة الخبر وبين جواز نشره في صدد تطبيق النصوص القانونية التي تحمي الحياة الخاصة.. ) وهنا المحكمة تفصل بصورة غريبة بين صحة الخبر وجواز نشره، وهو ما يتعارض مع حق الصحفي الوارد في القانون في البحث عن المعلومات ونشرها بعد التأكد من مصادرها، وهذا تجاهل واضح من المحكمة للقانون والحق المكفول فيه.
ولم تكتفي المحكمة بذلك ولكن المحكمة أفصحت عن الإدانة رغم تأكدها من صحة الخير وقالت في الحيثيات (أن عدم مساس الفعل باعتبار المجني عليه لا يعني إباحته ونشر الخبر أذا كان قد تم من خلال أحد الأفعال التي تمس الحياة الخاصة فإنه يكون مجرم ولو كان صحيحاً) فالحكم يؤكد أن الفعل لم يمس اعتبار المجني عليه، رغم أن قرار الاتهام والقانون يشترط لقيام الفعل أن يكون الخبر قد تضمن مساساً باعتبار المجني عليه، ولكن المحكمة لا يعنيها ذلك وتؤكد أن (عدم مساس الفعل باعتبار المجني عليه لا يعني إباحته)، وقال المحكمة أنه (يكون مجرماً ولو كان صحيحاً) أي انه مدان بالرغم من القانون الذي يشترط المساس بالمجني عليه. وعليه فقد قرر الحكم ادانه عبدالكريم الخيواني بالغرامة عشرة ألف ريال، ولم يحدد الحكم هل الغرامة محكوم بها للشاكي أو أنها للخزينة العامة.
وهذا الحكم يمثل نموذج للأحكام التي لا تستند إلى أرضية قانونية سليمة، وتجني على الصحافة، كما انه يتصادم مع الحق المكفول للصحفي في الدستور والقوانين والمواثيق الدولية في استقاء المعلومات ونشرها للجمهور.
قضية موقع الشورى نت (عبدالكريم الخيواني) الحكم رقم (27) لسنة 1430هـ
قدمت النيابة العامة الصحفي عبدالكريم الخيواني بتهمة نشر أخبار كاذبة لقيامه بنشر خبر في موقع (الشورى نت) تحت عنوان (بعد أن كانت استعادته في وقت سابق، اليمن تعزم تسليم مطار البديع للسعودية) وقد رأت المحكمة أن هذا الخبر يستحق الادانه، ولكنها لم توضح ما هو وجه الخطر الذي مثله هذا الخبر وكيف تحقق الإضرار بمصالح اليمن، وراح الحكم يقرر ( أن ذلك الفعل تكلل بنتيجة ارتبطت بذلك الفعل والمتمثلة نشر ذلك الخبر على الكافة) واعتبر الحكم أن الفعل ارتبط بنتيجة ولكنه لم يوضح ما هي النتيجة، ومن العبارات غير المفهومة في الحكم هي (وحيث أن المتهم في مقارفته لذلك الفعل يعلم علماً يقينياً بحقيقة فعلة والنتيجة المترتبة عليه وان إرادة المتهم انصبت على ذلك الفعل وتلك النتيجة وان ذلك العلم وتلك النتيجة يكونان معا القصد الجنائي الذي ينبني عليه الركن المعنوي للجريمة). وفي جانب آخر تطلب المحكمة من المتهم أن يتحرى ويتثبت من صحة ما نشره وقالت (أن المتهم يعلم بأن من الواجب عليه التحري والتثبت من صحة ما نشره من أخبار ويورده من معلومات فيما ينشره من أخبار) ولم تلتفت المحكمة إلى الدفع الذي قدمه الخيواني من أن الخبر لم يتضمن وقائع جازمة وأنه يتضمن توقعات لم تحدث ولكنها محتمله، وهو ما يجعله استخدم حقه الصحفي في التحري والتساؤل، دون أن يكون بذلك قد تسبب في الإضرار بمصالح البلاد.
أن الحكم يمثل رغبة في الإدانة والتضييق على الصحافي والصحافة، ومنعهم من التناول الإعلامي للأوضاع، وما يؤكد عدم وجود ضرر من الخبر المنشور أن المحكمة قررت عقوبة قدرها (ألف ريال ) فإذا كانت الواقعة تتعلق بمصالح البلد وترتيبها أضرار على الصالح العام فهل هذا الضرر يعادل ألف ريال (ما يعادل خمسة دولار أمريكي). أنها الرغبة في الإدانة والتضييق على الصحفيين فقط.
قرارات الاتهام الصادرة من نيابة الصحافة:
العديد من قرارات الاتهام صدرت عن نيابة الصحافة ضد صحفيين وصحف لنشر أخبار أو مقالات رأي متعلقة بالشأن العام، و من المعلوم أن النيابة العامة تمثل جهة ادعاء، ولكن القانون اليمني اعتبر النيابة جزء من السلطة القضائية، وبالتالي فإنه يمكن تحليل ما صدر عنها باعتباره قرارات ذات طابع قضائي يتضمن موقف جزء من السلطة القضائية تجاه قضايا النشر الصحفي.
قرار رقم (57) لسنة 2009م باتهام رئيس تحرير صحفية إيلاف بالسب والاهانة العلنية للمجني عليهن مجموعة من نزيلات السجن المركزي بصنعاء. الخبر عبارة عن إعادة نشر لتقرير نشرته منظمة حقوقية عن أوضاع السجينات في السجن المركزي بصنعاء. مما جاء في التقرير المنشور عبارات (عن تعرض بعض السجينات للضرب والتعذيب والاغتصاب وبيع مواليدهن في السجون المركزية لمن يدفع أكثر كما كشفت المنظمة عن تعرض السجينات للاغتصاب والتعذيب..). ليس في الموضوع ما يوجب مساءلة الصحيفة باعتبارها أعادة نشر تقرير تبنته منظمة مدنية، وكان بالإمكان اعتبار ما جاء فيه بلاغ يتم التحقيق فيه من الجهات المختصة. الشكوى قدمت من عدد من السجينات، ومن غير المعروف هل إدارة السجن توفر للسجينات الحق في الاطلاع على ما جاء في الصحف، أم أن الأمر يقع ضمن استخدام السجينات لتقديم الشكوى بدل عن إدارة السجن؟.. التي اتهمها التقرير بأنها تمارس الضغط على السجينات. لم تتعامل النيابة مع الشكوى باعتبارها واقعة نشر معلومات عبر الصحيفة وفقاً لقانون الصحافة الذي يجيز للصحافة أن تستقي المعلومات من مصادرها وتنشرها وفقاً للقانون.
2– قرار اتهام ضد صحيفة الوسط
اتهمت نيابة الصحافة والمطبوعات في القضية رقم (14) لسنة 2009 جمال احمد عامر رئيس تحرير صحيفة الوسط، والكاتب محمود محمد فرحان الطاهر بنشر مقال يتضمن سب وإهانة علنية ضد وكيل بوزارة الشباب والرياضية. الخبر كما جاء تلخيصه في قرار الاتهام تضمن ( إذا بوكيل وزارة الشباب للشئون…ومرافقيه يهرعون مطاردين مدير الحسابات المغادر والذي كان قد وصل إلى سيارته وامسكوا به. وحيث وجه الوكيل إياه بتفتيش السيارة مع توجيه بعض اللكمات المهنية. كما ورد في المقال أن سبب إقدام الوكيل على ذلك يؤكد انه ارتكب مخالفات عديدة يخاف أن يكون مدير الحسابات قد استحوذ عليها…استغرب المراقبون من تصرف الوكيل بذلك التصرف الغير مسئول..ولو كان يفهم كيفية التعامل مع مثل هكذا مواضيع فإنه سيلجأ إلى وزارة المالية…). الخبر عبارة عن واقعة كان بإمكان النيابة التأكد من صحتها وسؤال وزارة الشباب عنها. لم يتضمن الخبر أي إساءة أو تناول جارح خارج عن مضمون الواقعة، ولم يحمل عبارات حادة، ولكن النيابة رأت أن ما جاء في مضمون الخبر ادانه للصحيفة والكاتب وتم اتهامهم بموجبها. الاتهام يتعارض مع حق الصحفي في البحث عن المعلومات ونشرها للجمهور، وكذلك منع الصحيفة من تأدية رسالتها في الكشف عن ممارسات تتم في المصالح والجهات الحكومية ويقوم بها شخصيات عامة وتتولى مسؤولية، كما أن النقد في الموضوع يتوافق مع الحق في النشر للتصرفات حتى إذا كانت تتضمن وقائع جارحة وفقاً المادة (293) من قانون العقوبات التي تنص على أنه :ـ لا تقبل دعوى السب في الأحوال الآتية:-
(ثالثاً: إذا كان القصد منه إبداء الرأي في مسلك موظف عام بشأن واقعة تتعلق بعمله الوظيفي وبالقدر الذي يفيد في كشف انحرافه.) ومن خلال الاطلاع على الخبر يتضح انه مرتبط بموظف عام وبسبب عمله الوظيفي والقصد منه إبداء الرأي بالقدر الذي يفيد بكشف انحراف هذا الموظف عن عمله.
3- قرار اتهام ضد صحيفة المصدر وخمسة كتاب.
قدمت نيابة الصحافة قرار اتهام برقم (101) لسنة 2009م ضد سمير جبران بصفته رئيس تحرير صحيفة المصدر والكتاب الصحفيين عبدالرزاق أحمد الجمل وعبدالملك المثيل و محمد عبدالله العلائي وعوض صالح كشميم وسامي الكاف حيث تتهمهم بإثارة النعرات المناطقية وبث روح الشقاق والكراهية والفرقة وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وما يمس الوحدة الوطنية والتحريض على العنف والإرهاب، كما تضمن التقرير نشر أخبار كاذبة ومغرضة من شأنها تكدير السلم والأمن العام. المقالات المنشورة عبارة عن أراء وتعليقات من الكتاب حول ما يجري في المحافظات الجنوبية من حراك،و نقل لمواقف بعض الأطراف الفاعلة في الحراك الجنوبي. ليس في التقارير أو المقالات المنشورة أي عبارات جارحة أو ماسة بالأشخاص، ويمكن استخلاص محتوى الموضوعات من خلال عناوينها والتي تتمثل في :
وجميع المقالات تمثل تعبير من الكتاب عن مواقفهم تجاه ما يجري من حراك ومواقف سياسية في المحافظات الجنوبية، وتقديمهم للمحاكمة يمثل إنكار لحق التعبير عن الرأي المكفول في الدستور والقوانين والمواثيق الدولية.
4– قرار اتهام ضد صحيفة الديار
قدمت نيابة الصحافة والمطبوعات عابد حمود المهذري والكاتب في الصحفية فيصل جابر القطيبي بقرار اتهام رقم (29) لسنة 2009م بتهمة نشر موضوع يتضمن عبارات سب و اهانة علنية لموظف عام عضو في السلطة القضائية، وهو رئيس محكمة. ومن العبارات التي استند إليها قرار الاتهام ( أي أن المسألة عندكم مزاج وليس تنفيذاً للقوانين..هل تزيدكم من بطولاتكم العظيمة..أن أيام عمله الأسبوعي هي أربعة أيام فقط..دعنا ياسيادة القاضي نسر في اذانكم بأنكم غير مهتمين…أن تقوموا بنقل القاضي…… إلى محافظته لأنه أدرى بها …لكي يحقق العدالة لأهله قبل أن يوزعها على من لا يستحقها ..). الموضوع عبارة عن نقد لممارسات موظف عام بسبب أداءه لمهام وظيفته، وبدل من أن تقوم الجهة التي يتبعها الموظف باعتبار ما جاء في الموضوع بلاغ تتولى التحقيق بموجبه، قامت الجهة بالاستجابة لطلب هذا الموظف وتقدمت بشكوى إلى النيابة. لم يرد في الموضوع عبارات قاسية أو شخصية خارج التناول للممارسات القاضي، رغم أن المادة (293) من قانون العقوبات الفقرة ثالثا تمنع قبول دعوى السب في مثل هذه الحالة.
5– قرار اتهام ضد صحيفة الديار
بموجب قرار اتهام رقم (55) لسنة 2009م تم إحالة عابد حمود المهذري رئيس تحرير صحيفة الديار والرسام الكاريكاتوري في الصحفية سامي محمد عبده الشميري بتهمة نشر موضوع في الصحيفة بعنوان معركة داخل الحكومة –رئيس الحكومة أطبق قبضته إلى رقبة نائبة فأشهر وزير المغتربين مسدسه وهدد بـ13 يناير جديدة) وكذلك نشر رسم اعتبرته النيابة مسيء لرئيس الحكومة. الموضوع والرسم الكاريكاتوري عبارة عن نقد وتعبير عن الرأي لموظفين عموميين وبسبب أداءهم لأعمالهم، وليس فيها ما يوجب التجريم.
6- قرار اتهام ضد صحيفة المصدر وكتاب في الصحيفة
قدمت نيابة الصحافة سامي غالب رئيس تحرير صحيفة النداء والكتاب في الصحيفة فؤاد الجحيشي وعبدالعزيز المجيدي وشفيع العبد وميفع عبدالرحمن بقرار اتهام رقم (99) لسنة 2009م لنشرهم أخبار و مقالات رأت النيابة أنها تتضمن بإثارة النعرات المناطقية وبث روح الشقاق والكراهية والفرقة وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وما يمس الوحدة الوطنية. . المقالات المنشورة عبارة عن أراء وتعليقات من الكتاب حول ما يجري في المحافظات الجنوبية من حراك،و نقل لمواقف بعض الأطراف الفاعلة في الحراك الجنوبي. ليس في التقارير أو المقالات المنشورة أي عبارات جارحة أو ماسة بالأشخاص، ويمكن استخلاص محتوى الموضوعات من خلال عناوينها والتي تتمثل في:
استندت النيابة في قرار الاتهام إلى النصوص القانونية التي تتصف بأنها غير منضبة و عباراتها غير منضبطة أو واضحة وتحتمل تفسيرات وتأويلات كثيرة. وأنها مطاطة، وهي تتعارض مع الحق في الرأي والتعبير.
توصيات:
1- إلغاء عقوبة السجن بالنسبة للجرائم الواقعة بواسطة الصحف. والاستناد إلى القانون المدني للتعويض عن الضرر لكل من يدعي الضرر.
2- إلغاء المسئولية عن جرائم النشر بالنسبة لرئيس التحرير استنادا إلى أن المسئولية الجنائية شخصية ما لم يتعذر معرفة الصحفي المسئول عن النشر.
3- تتم مساءلة الصحفي بواسطة قانون واحد هو قانون الصحافة وتلغى النصوص المزدوجة في قانون الجرائم والعقوبات.
4- إعادة النظر في قانون الصحافة والمطبوعات لتجريده من النصوص الغامضة والفضفاضة
5- تفعيل دور نقابة الصحفيين وإعطاءها سلطة منح بطاقة العضوية والتسهيلات الصحفية دون غيرها من الجهات كما هو حال نقابة المحامين.
6- النص في قانون الصحافة على اعتبار أن استخدام حق الرد والتعقيب والتصحيح من الصحيفة أو المتضرر يشكل مانعاً من المساءلة الجنائية أو المدنية.