مقدمة :

في البدء لا بد من الإشادة بالجهد الذي بذل في التقرير لأسباب عدة منها إنصاف جهد القائمين عليه ومنها أن التجربة كانت مختلفة هذه المرة عن سابقاتها من التجارب سواء لجنة حقوق الإنسان أو الوزارة التي تحاشت الاقتراب – مجرد الاقتراب – من المعوقات والصعوبات وبعضاً من الممارسات التي رصدتها وزارة حقوق الإنسان ، خاصة بعد أن اكتسبت الوزارة شيئاً من المصداقية العائدة على شخصية الوزيرة أمة العليم السوسوة .

وما القراءة الناقدة للتقرير إلاّ لضمان اكتساب تراكم في التجربة وحتى تكون التقارير القادمة حائزة على المزيد من المصداقية وكاشفة لمكان الخلل في الممارسة اليومية في المجتمع .

  1. يؤكد التقرير في المقدمة على عدم نجاح إجراءات التخفيف من الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة في العام 1995م حيث زاد معدل البطالة وانخفض مستوى دخل الفرد وازدياد ظاهرة الفقر إلى حد كبير ، لكن الأسباب التي أدت إلى ذلك وكانت محصلة عوامل اقتصادية واجتماعية ومؤسسية وبيئية وثقافية بحسب التقرير انحصرت في ارتفاع معدل النمو السكاني ومحدوديه الاراضي الصالحة للزراعة وكذا شحة المياه وسوء استخدامها وإدارتها وأيضاً انخفاض الانتاج وضعف الانتاجية وتدني الأجور بوجه عام وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية الاساسية وضعف مشاركة المرأة مقارنة بالرجل في مجالات رئيسية وأخيراً محدودية البنية التحتية وتدني تغطية السكان بالمنافع الاساسية كالطرق وغيرها ومع تسليمنا بوجهاة هذه الأسباب إلاّ أن هناك أسباب أخرى تتعدى المواطن والبيئة لم يتحدث عنها التقرير وهي الفساد والرشوة وسوء الإدارة والتوزيع الخاطيء للموارد بجانب أسباب سياسية أخرى لا تنفصل في مجموعها عن عوامل الخلل واسباب التدهور في مستوى الاقتصاد ، فالمعادلة لا تكتمل بمجرد إعادة الأمر إلى المحكوم دون البحث في ما يسببه الحاكم .
  2. في سياق الحق في العمل والحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية يورد التقرر أرقام وبيانات محبطة لأوضاع العمالة ويُسلّم بأن هناك غموض وصعوبات ومعوقات تكثف مستويات تطبيق القوانين وتوظيفها بشكل صحيح ، ولا يترد واضعوا التقرير من الإشارة إلى ما أكدته بعض التقارير من معالجات هامة للتعامل بجدية مع مشكلة البطالة مثل القضاء على الفساد المالي والإداري ومحاربة الرشاوي واستغلال النفوذ وايجاد مُناخ ملائم آمن للاستثمار المحلي والخارجي والاستفادة من الثروات النفطية والمعدنية وإقامة الصناعات المرتبطة بهذه الموارد .
  3. عند حديث التقرير عن الحق في تكوين النقابات والانضمام إليها والحق في ممارسة الإضراب اكتفى بإيراد النصوص القانونية ، ولكن لم يناقش مدى ممارسة هذا الحق من عدمه ويمكن تفهم ذلك من خلال العوامل التي تطرق لها فيما يتعلق بالحق في العمل حيث أن التدني الذي يعيشه سوق العمل في الطلب على العمالة وانكماش فرص العمل يجعل الإضراب وتكوين النقابات أمر يمكن وصفه بشيء من الترف الذي لا تحتمله أوضاع العمال ، وذلك بالإضافة إلى هيمنة السلطة التنفيذية على الاتحادات والنقابات العمالية ، وحرص العديد من أرباب العمل على مواجهة أي شكوى أو احتجاج يمكن أن يأخذ صورة عمل نقابي جماعي ، ولعل أوضاع العاملين في جامع الرئيس الصالح التي سلطت الصحافة الضوء عليها مؤشر على ذلك المسعى .
    1. في الجانب المتعلق بالحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية ، يقترح التقرير أهم مكونات (آليات) شبكة الأمان الاجتماعي ذات الصلة بتوسيع مظلة الضمان  الاجتماعي والرعاية الاجتماعية ومنها صندوق الرعاية الاجتماعية الذي يعمل وفق قانون الرعاية الاجتماعية رقم    (31) لسنة 1996م وهو الوحيد ضمن الشبكة الذي يعني بتقديم المساعدات الاجتماعية النقدية لفئات اجتماعية حددها قانون إنشاءه لكن – وبحسب التقرير – حجم المساعدة لا يصل مقداره إلى الحد الأدنى من الأجور كما أوضحه صندوق الرعاية الاجتماعية كما أن نشاطه الاستثماري لتوفير فرص عمل متواضع .

وبالرغم من الأعمال الواسعة التي يقوم بها الصندوق الاجتماعي للتنمية من خلال برامجه وخاصة المساهمة في قطاع التعليم ، ومع وجود أثر حقيقي ملموس لعمل الصندوق فإن التقرير أغفل التطرق إلى الصعوبات التي تواجه نشاطه من خلال افشال بعض المشاريع واستحواذ غير المستحقين للمساعدات بفعل استغلال النفوذ وهو ما يعانيه برنامج تنمية المشروعات الصغيرة والأصغر حيث يتمكن أصحاب المشاريع القادرين على الاستجابة للشروط توفير الضمانات من الحصول على قروض ولا يكتفون بحرمان المستهدفين منها من الاستفادة وإنما يتحايلون على السداد بتواطؤ من بعض الموظفين في بعض الأحيان .

  • لم يجافي التقرير الواقع عندما أكد في البند المتعلق بالحق في مستوى معيشي كافٍ أن حوالي   (6.9 مليون ) مواطن يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة ، فضلاً عن الأعداد الأخرى التي تعيش حول خط الفقر وتخشي من الإنزلاق تحت خطه وكذا القول بأن الفقر في اليمن يأخذ طابعاً ريفياً، ومع أن التقرير قد عدد أهم سياسات الدولة لرفع المستوى المعيشي للمواطنين بدءً من الخطة الخمسية الثانية 2001-2005م وشبكة الأمان الاجتماعي ، والاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر 2003-2005م ، لكن لم يظهر أن هناك تحسن حقيقي وملموس لمواجهة التدني والانحدار في المستوى المعيشي الذي لم يتوقف وما زال مواصلاً مسيرته في الانزلاق لأسباب متعلقة بالفساد وسوء الإدارة .
  • أما الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية فقد أورد التقرير بيانات مختلفة للحالة الصحية وفي مقابلها الانفاق المتدني على القطاع الصحي وعدم وجود توجه نحو الرفع من سقف الانفاق على هذا القطاع ولكن التقرير راح يسرد الاهداف التي تسعى إليها الرؤية الاستراتيجية لليمن 2005م ضمن أهداف الاستراتيجية السكانية ومن ذلك البرنامج الوطني لرعاية الأم والطفل وتنظيم الأسرة وأوصى التقرير على أهمية أن تتبع الدولة سياسة صعبة قومية تصتنع نصب عينها تحقيق الاهداف المرجوة بالإضافة إلى برامج التوعية والتثقيف الصحي ، لكن التقرير أغفل الحديث عن أهم عناصر القطاع الصحي وهم الأطباء الذين يعانون من تدني في الأجور وضعف في التأهيل والاعداد مما ينعكس سلبياً على أي محاولة لإصلاح القطاع الصحي ، ورغم تطرق التقرير للتدابير الحكومية للوقاية من الأمراض الوبائية وأمراض الطفولة وعلاجها ومكافحتها إلاّ أنه لم يذكر حالات أمراض تعتبر قد انتهت في بعض دول الجوار ولكنها ما تزال موجودة في بلادنا بالإضافة إلى وجود ما يزيد عن أربعة مليون حالة مصابة بمرض الكبد غير الأمراض الأخرى التي خلا التقرير من توضيحها .
  • ضمن مجال الحق في التعليم يؤكد التقرير على أنه هذا الحق يعتبر شرط أساسي للتمتع بحقوق الإنسان وبلمحة فاحصه لما وصلت إليه نتائج الإحصاءات والدراسات – رغم أنها تعتبر قديمة بعضاً ما – يمكن إثبات أن انتهاك غير مسبوق يتم ممارسة على حقوق الإنسان في هذا المجال سواء من حيث تدني مستويات الالتحاق والتفاوت القائم بين الذكور والإناث بما يصل إلى أن أكثر من أثنين مليون نسمة من الأطفال خارج التعليم الأساسي معظمهم من الإناث والعدد مرشح للزيادة إلى أكثر من ثلاثة ملايين خلال الخمس سنوات القادمة ، كما أن هناك تدني في مستوى نوعية تأهيل المدرسين وفي الإدارة المدرسية والكفاءة الداخلية للتعليم وأيضاً تدني إسهامات التعليم الأهلي بالعملية التعليمية .

ورغم وجود كمية كبيرة من الجداول والاحصائيات في التقرير إلاّ أن العلاقة بين الحالة الاقتصادية وتدني مستوى العملية التعليمية لم تأخذ حقها الكافي من البحث وأغفل التقرير سرد حالات الاعتداء على المدرسين والإضرابات التي نفذتها نقابة المعلمين للمطالبة بتحسين أوضاع المدرسين ، ناهيك عن النقل التعسفي والتسيس للعملية التربوية واستخدام المدارس والطلاب في الحشد للانتخابات بطريقة تزيد أوضاع التعليم تعقيداً .

  • لا يشير التقرير في الحق الخاص بالمشاركة في الحياة الثقافية إلى عمليات تهريب الآثار ، ولا السرقة التي تتعرض لها بعض المخطوطات التأريخية ، وأغفل الاحتجاجات التي اعلنتها منظمة حماية الآثار لما تعرضت له صنعاء القديمة من تجديد غير مدروس سبب إضرار للمباني .

ومع أن التقرير سلط الضوء على فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية في العام 2005م إلاّ أن جانباً مهماً لم يذكره وهو المتمثل بما قدم للفنان اليمني لضمان استقراره الاجتماعي حتى يتمكن من الابداع سوى بعض الاحتفاليات التكريمية المحدودة لبعض الأدباء .

وفي ختام هذا الجانب من التقرير لم ينسى أن يصتنع معدو التقرير جملة من التوصيات العامة تحت عنوان ( مداخل نحو تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) ولكنها لم تتعدى الامنيات المدركة أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تنسلخ عن الوضع السياسي والإدارة السليمة للموارد والامكانيات بما يساعد على تحقيق نتائج إيجابية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأيضاً ودائما إيلاء الاهتمام والعناية للغائب الحاضر في العملية بأكلمها وهو الإنسان فبغيره تصبح الأرقام والإحصاءات شاهد على المأساة ليس أكثر .