لبنى القدسي – ناشطة حقوقية وعضو الهيئة الإدارية في مركز حماية لحقوق الانسان.
قد يرى الكثير أن الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة وأهمية تواجدها في مواقع صنع القرار هو نوع من الترف، ونحن في حالة حرب، ووضع غير طبيعي، وقد يقول البعض وكأنه لم يتبقى سوى مشاركة النساء في السياسة، وأن كل القضايا قد وجدت لها حلول.
قد نسمع ردود أفعال كثيرة حول الموضوع بين ساخر ومستهزئ ومستهين بالأمر، لكن وبعد سنوات من الحرب والدمار وكل هذه المآسي التي نعيشها أعتقد أنه من الأهمية الحديث عن مثل هذا الموضوع.
لقد غابت المرأة اليمنية عن صناعة القرار في اليمن، بل ويُتعمد تهميش أصوات النساء واستبعادهن من مراكز صنع القرار السياسي، وبطرق ممنهجة، رغم أن عدد النساء المنخرطات في العمل السياسي أصبحن لا بأس فيه مقارنة بالسابق، ويلاحظ أن اقصائها كان ربما ضمن خطوات اقصاء باقي الأصوات المدنية التي استبعدت من الحياة السياسية، لصالح الاطراف المتصارعة.
المشاركة السياسية للمرأة ووصولها لمواقع صنع القرار، ليس تفضلاً من السلطة أو من الاحزاب والمكونات السياسية، بل هو حق اساسي،
- نشر في 3 سبتمبر 2022 في موقع يمن فريدوم
يجب ان تحصل عليه المرأة لتسهم فعلياً في المشاركة في صياغة ورسم السياسات العامة من خطط وبرامج وتشريعات وتشارك في تنفيذها ايضاً، كما من حقها ان تشارك في القيادة واتخاذ القرار.
لقد أوصلنا الاستفراد بالقرار وعدم الاهتمام بقضايا الناس واستبعاد النساء كأحد الأصوت المدنية الى المزيد من الدماء والدمار، واتخاذ القرارات الخاطئة واطالة أمد الحرب، وآن الأون كي يكون التفكير بالشأن العام تفكير جمعي، تشاركي، الكل يسهم في ابدا الآراء والمقترحات وتقديم الحلول، لعلنا نرى نتائج أفضل وواقع يستحقه المواطن اليمني.
على المرأة أن تدرك أهمية مشاركتها السياسية، وتنتزع هذا الحق بإرادتها وايمانها بقدراتها على المساهمة في احداث التغيير المنشود، والخروج من حالة الحرب العبثية التي كانت مجمل تبعاتها وآثارها على النساء.
يجب على النساء السياسيات الادراك أن الاسهام في إدارة الشأن العام وتقديم الرؤى والمقترحات لكل القضايا الوطنية المطروحة هو من صميم عملهن، ويتحملن مسؤولية أي نتائج تحدث نتيجة التقاعس في القيام بما يتوجب عليهن.
عندما نتحدث عن النساء العاملات في مجال السياسة لا يعني أن يقتصر حديثنا فقط على النساء الحزبيات، بل الحديث يشمل كل النساء العاملات في مواقع صنع القرار في السلطة والمجتمع المدني (الحكومة وأجهزتها التنفيذية، الشورى، وكلاء وزارات، مدراء عموم، وان وجدنا في المجالس المحلية، وفي السلك الدبلوماسي، وممثلات اليمن في المنظمات الدولية، والعاملات في المجتمع المدني، وفي النقابات والجمعيات غير الحكومية).
وان كان تواجدهن بنسب ضئيلة فلابد أن يعرف الجميع أن كل هؤلاء مشاركات في العملية السياسية، ويجب عليهن بذل المزيد من الجهود لتحسين البيئة لإدماجهن في أي عمل سياسي، والضغط لإيجاد إرادة سياسية تعمل على اتاحة الفرصة لتمكينهن، وفتح المجال لحضورهن في إطار العملية السياسية الشاملة، ويجب أن تتوحد الجهود ويتم التنسيق بين جميع هؤلاء النساء السياسيات بهدف تحقيق مشاركة سياسية فاعلة للنساء، تضمن نسبة تمثيلهن في مختلف السلطات والهيئات بما لا يقل عن 30% وفقاً لمخرجات الحوار الوطني.
ليس من صالح النساء السياسيات التزام الصمت، أو يصبحن تابعات ومسيرات بلا وعي ولا إدراك لدورهن الحقيقي في هذه المرحلة، الذي يؤدي الى الاستقرار وبناء السلام، فمن المهم أن تتوحد مقترحاتهن في ايجاد الحلول لكل القضايا التي تهم المواطن بالدرجة الاساسية والتي تسهم في اخراج اليمن من هذا الوضع.
بعد كل هذه السنوات من الحرب والدمار والتشرد والتشرذم والفرقة ،يجب ان نستلهم العبر بأن الصوت المدني لابد أن يكون حاضراً، ولابد من احياء العملية السياسية التي يسهم فيها الرجال والنساء على حداً سوا في إعلا صوت السلام، ونشر روح التعايش السلمي والقبول بالآخر، وتعزيز قيم التسامح ،ورفض لغة التحريض والكراهية والعنف ،لابد أن يسهم الصوت المدني بمشاركة الرجال والنساء في الدعوة لاحترام حقوق الانسان وحرياته، والعمل بنية صادقة لاصلاح الخلل وتغليب المصلحة الوطنية على كل المشاريع الضيقة والترفع عن التعصب الايديولوجي والتشكيك بالآخر.
آن الآوان لعودة الصوت المدني المؤمن بأهمية مشاركة المرأة في هذه المرحلة ويعلو على صوت الرصاص، فمشاركة المرأة في العملية السياسية ليس من باب الترف بل هي مسؤولية قانونية واخلاقية تتحملها إلى جانب الرجل لدعم الاستقرار المجتمعي، واعادة بناء ما دمرته الحرب، وايجاد أرضية سليمة وصحية للتنمية المستدامة للأرض والانسان.
إن تواجد النساء في العملية السياسية إلى جانب الرجل ليست فكرة دخيلة تلقيناها من المجتمع الغربي لتغزو المجتمعات الاسلامية من أجل الانحلال الأخلاقي كما يصوره البعض، بل هي أساس المواطنة المتساوية التي تؤدي إلى العدالة، فلا يوجد في شريعتنا الاسلامية ولا في الدستور ولا القوانين ما يمنعها من ممارسة حقها ، وانما هي الممارسة التي جعلت الرجل يستقوي ويستفرد بالمشاركة وجعل من النساء تابع بلا صوت ولا رأي ،وخضوع واستسلام المرأة، لذلك جعلها تفقد هذا الحق رويدا رويداً، حتى صارت المطالبة فيه كأنه استجداء من طرف ضعيف لطرف قوي .